فصل: أنواعه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه



.الدليل السابع: العُرف:

1- تعريفه.
2- أنواعه.
3- حكمه.

.تعريفه:

العُرف هو ما تعارفه الناس وساروا عليه، من قول، أو فعل، أو ترك، ويسمى العادة. وفي لسان الشرعيين: لا فرق بين العرف والعادة، فالعرف العملي: مثل تعارف الناس البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية. والعرف القولي: مثل تعارفهم إطلاق الولد على الذكر دون الأنثى، وتعارفهم على أن لا يطلقوا لفظ اللحم على السمك. والعرف يتكون من تعارف الناس على اختلاف طبقاتهم عامتهم وخاصتهم بخلاف الإجماع فإنه يتكون من اتفاق المجتهدين خاصة، ولا دخل للعامة في تكوينه.

.أنواعه:

العرف نوعان: عرف صحيح، وعرف فاسد.
فالعرف الصحيح: هو ما تعارفه الناس، ولا يخالف دليل شرعيا ولا يحل محرماً ولا يبطل واجباً، كتعارف الناس عقد الاستصناع، وتعارفهم تقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر، وتعارفهم أن الزوجة لا تزف إلى زوجها إلا إذا قبضت جزءا من مهرها، وتعارفهم أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من حلي وثياب هو هدية لا من المهر.
وأما العرف الفاسد: هو ما تعارفه الناس ولكنه يخالف الشرع أو يحل المحرم أو يبطل الواجب، مثل تعارف الناس كثيرا من المنكرات في الموالد والمآتم، وتعارفهم أكل الربا وعقود المقامرة.

.حكمه:

أما العرف الصحيح فيجب مراعاته في التشريع وفي القضاء، وعلى المجتهد مراعاة في تشريعه؛ وعلى القاضي مراعاته في قضائه؛ لأن ما تعارفه الناس وما ساروا عليه صار من حاجاتهم ومتفقا ومصالحهم، فما دام لا يخالف الشرع وجبت مراعاته، والشارع راعي الصحيح من عرف العرب في التشريع، ففرض الدية على العاقلة، وشرط الكفاءة في الزواج واعتبر العصبية في الولاية والإرث.
ولهذا قال العلماء: العادة شريعة محكمة، والعرف في الشرع له اعتبار، والإمام مالك بنى كثيرا من أحكامه على عمل أهل المدينة، وأبو حنيفة وأصحابه اختلفوا في أحكام بناء على اختلاف أعرافهم، والشافعي لما هبط إلى مصر غير بعض الأحكام التي كان قد ذهب إليها وهو في بغداد، لتغير العرف، ولهذا له مذهبان قديم وجديد.
وفي فقه الحنفية أحكام كثيرة مبنية على العرف، منها إذا اختلف المتداعيان ولا بينة لأحدهما فالقول لمن يشهد له العرف، وإذا لم يتفق الزوجان على المقدم والمؤخر من المهر فالحكم هو العرف، زمن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لا يحنث بناء على العرف، والمنقول يصح وقفه إذا جرى به العرف، والشرط في العقد يكون صحيحا إذا ورد به الشرع أو اقتضاه العقد أو جرى به العرف.
وقد ألَّف العلامة المرحوم ابن عابدين رسالة سماها (نشر العرف فيما بني من الأحكام على العرف)، ومن العبارات المشهورة: (المعروف عرفا كالمشروط شرطا، والثابت بالعرف كالثابت بالنص).
وأما العرف الفاسد فلا تجب مراعاته لأن في مراعاته معارضة دليل شرعي أو إبطال حكم شرعي، فإذا تعارف الناس عقدا من العقود الفاسدة كعقد ربوي، أو عقد فيه غرر وخطر، فلا يكون لهذا العرف أثر في إباحة هذا العقد، ولهذا لا يعتبر في القوانين الوضعية عرف يخالف الدستور أو النظام العام، وإنما ينظر في مثل هذا العقد من جهة أخرى، وهي أن هذا العقد هل يعد من ضرورات الناس أو حاجياتهم، بحيث إذا أبطل يختل نظام حياتهم أو ينالهم حرج أو ضيق أولا؟ فإن كان من ضرورياتهم أو حاجياتهم يباح لأن الضرورات تبيح المحظورات، والحاجات تنزل منزلتها في هذا، وإن لم يكن من ضرورياتهم ولا من حاجياتهم يحكم ببطلانه ولا عبرة لجريان العرف به.
والأحكام المبنية على العرف تتغير بتغيره زمانا ومكانا، لأن الفرع يتغير بتغير أصله، ولهذا يقول الفقهاء في مثل هذا الاختلاف: إنه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان.
والعرف عند التحقيق ليس دليلا شرعيا مستقلا: وهو في الغالب من مراعاة المصلحة المرسلة، وهو كما يراعي في تشريع الأحكام يراعي في تفسير النصوص، فيخصص به العام، ويقيد به المطلق. وقد يترك القياس بالعرف ولهذا صح عقد الاستصناع، لجريان العرف به وإن كان قياس لا يصح لأنه عقد على معدوم.

.الدليل الثامن: الاستصحاب:

1- تعريفه.
2- حجيته.

.تعريفه:

الاستصحاب في اللغة: اعتبار المصاحبة، وفي اصطلاح الأصوليين: وهو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل، حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال، أو هو جعل الحكم الذي كان ثابتا في الماضي باقيا في الحال حتى يقوم دليل على تغيره.
فإذا سئل المجتهد عن حكم عقد أو تصرف، ولم يجد نصا في القرآن أو السنة ولا دليلا شرعيا يطلق على حكمه، حكم بإباحة هذا العقد أو التصرف بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وهي الحال التي خلق الله عليها ما في الأرض جميعه، فما لم يقم دليل على تغيرها فالشيء على إباحته الأصلية.
وإذا سئل المجتهد عن حكم حيوان أو جماد أو نبات أو أي طعام أو أي شراب أو عمل من الأعمال ولم يجد دليلا شرعيا على حكمه، حكم بإباحته، لأن الإباحة هي الأصل ولم يقم دليل على تغيره.
وإنما كان الأصل في الأشياء الإباحة، لأن الله قال في كتابه الكريم:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29]، وصرّح في عدة آيات بأنه سخر للناس ما في السموات وما في الأرض، ولا يكون ما في الأرض مخلوقا للناس ومسخراً لهم إلا إذا كان مباحا لهم، لأنه لو كان محظورا عليهم ما كان لهم.

.حجيته:

الاستصحاب آخر دليل شرعي يلجأ إليه المجتهد لمعرفة حكم ما عرض له ولهذا قال الأصوليون: إنه آخر مدار الفتوى وهو الحكم على الشيء بما كان ثابتا له مادام لم يقم دليل يغيره. وهذا طريق في الاستدلال قد فطر عليه الناس وساروا عليه في جميع تصرفاتهم وأحكامهم. فمن عرف إنساناً حياً حكم بحياته وبني تصرفاته على هذه الحياة، حتى يقوم الدليل على وفاته، ومن عرف فلانة زوجة فلان شهد بالزوجية ما دام لم يقم له دليل على انتهائها. وهكذا كل من علم وجود أمر حكم بوجوده حتى يقوم الدليل على عدمه، ومن علم عدم أمر حكم بعدمه حتى يقوم الدليل على وجوده.
وقد درج على هذا القضاء، فالملك الثابت لأي إنسان بسبب من أسباب الملك يعتبر قائما حتى يثبت ما يزيله. والحل الثابت للزوجية بعقد الزواج يعتبر قائما حتى يثبت ما يزيله. والذمة المشغولة بدين أو بأي التزام تعتبر مشغولة به حتى يثبت ما يخليها منه. والذمة البريئة من شغلها بدين أو التزام تعتبر بريئة حتى يثبت ما يشغلها. والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.
وعلى هذا الاستصحاب بنيت المادة (180) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ونصها: تكفي الشهادة بالدين وإن لم يصرح ببقائه في ذمة المدين، وكذا الشهادة بالعين، والمادة (181) منها ونصها: تكفي الشهادة بالوصية أو الإيصاء وإن لم يصرح بإصرار الموصي إلى وقت الوفاة.
وعلى الاستصحاب بنيت المبادئ الشرعية الآتية:
- الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.
- الأصل في الأشياء الإباحة.
- ما ثبت باليقين لا يزول بالشك.
- الأصل في الإنسان البراءة.
والحق أن عد الاستصحاب نفسه دليلا على الحكم فيه تجوز، لأن الدليل في الحقيقة هو الدليل الذي ثبت به الحكم السابق، وما الاستصحاب إلا استبقاء دلالة هذا الدليل على حكمه.
وقد قرر علماء الحنفية أن الاستصحاب حجة للدفع لا للإثبات، مرادهم بهذا أنه حجة على بقاء ما كان على ما كان، ودفع ما يخالفه حتى يقوم دليل يثبت هذا الذي يخالفه، وليس حجة لإثبات أمر غير ثابت، ويوضح هذا ما قرروه في المفقود وهو الغائب الذي لا يدري مكانه ولا تعلم حياته ولا وفاته، فهذا المفقود يحكم بأنه باستصحاب الحال التي عرف بها حتى يقوم دليل على وفاته، وهذا الاستصحاب الذي دل على حياته حجة تدفع بها دعوى وفاته والإرث منه وفسخ إجارته، وطلاق زوجته، ولكنه ليس حجة لإثبات إرثه من غيره لأن حياته الثابتة بالاستصحاب حياة اعتبارية لا حقيقة.

.الدليل التاسع: شرع من قبلنا:

إذا قص القرآن أو السنة الصحيحة حكما من الأحكام الشرعية، التي شرعها الله لمن سبقنا من الأمم، على ألسنة رسلهم ونص على أنها مكتوبة علينا، كما كانت مكتوبة عليهم، فلا خلاف في أنها شرع لنا وقانون واجب اتّباعه، بتقرير شرعنا لها، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183].
وإذا قص القرآن الكريم أو السنة الصحيحة حكما من هذه الأحكام، وقام الدليل الشرعي على نسخة ورفعه عنّا، فلا خلاف في أنه ليس شرعا لنا بالدليل الناسخ من شرعنا، مثل ما كان في شريعة موسى من أن العاصي لا يكفّر ذنبه إلا أن يقتل نفسه، ومن أن الثوب إذا أصابته نجاسة لا يطره إلا قطع ما أصيب منه، وغير ذلك من الأحكام التي كانت إصراً حمله الذين من قبلنا ورفعه الله عنا.
وموضع الخلاف هو ما قصه علينا الله أو رسوله من أحكام الشرائع السابقة، ولم يرد في شرعنا ما يدل على أنه مكتوب علينا كما كتب عليهم، أو أنه مرفوع عنا ومنسوخ، كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32] وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
فقال جمهور الحنفية وبعض المالكية والشافعية: أن يكون شرعاً لنا وعلينا اتّباعه وتطبيقه، مادام قد قص علينا ولم يرد في شرعنا ما ينسخه، لأنه من الأحكام الإلهية التي شرعها الله على ألسنة رسله، وقصه علينا ولم يدل الدليل على نسخها، فيجب على المكلفين اتّباعها. ولهذا استدل الحنفية على قتل المسلم بالذمي وقتل الرجل بالمرأة بإطلاق قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45].
وقال بعض العلماء: إنه لا يكون شرعاً لنا لأن شريعتنا ناسخة للشرائع السابقة، إلا إذا ورد في شرعنا ما يقرره.
والحق هو المذهب الأول، لأن شريعتنا إنما نسخت من الشرائع السابقة ما يخالفها فقط، ولأن قص القرآن علينا حكماً شرعيا سابقا بدون نص على نسخه هو تشريع لنا ضمناً، لأنه حكم إلهي بلغه الرسول إلينا ولم يدل دليل على رفعه عنا، ولأن القرآن مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، فما لم ينسخ حكما في أحدهما فهو مقرر له.